آراء النقاد في نظرية النظم والتأصيل لها

الملخص

تُعَدُّ "نظرية النظم" التي أَسَّسَها العالِم والبلاغي عبد القاهر الجرجاني (تـ 471 هـ) في القرن الخامس الهجري، واحدة من أبرز النظريات النقدية والبلاغية العربية أصالةً وعُمقاً. لقد مثَّلت نقلةً نوعية في فهم سرِّ جمال الكلام وإعجاز القرآن، محققةً قفزة من دراسة عناصر الكلام المنفردة إلى دراسة النسق الكلي المُحكَم الذي يربط هذه العناصر. فكرة النظرية المركزية باختصار هي أن جمال الكلام وبلاغته لا يكمنان في جمال الكلمات المفردة ولا في المعاني المجردة، بل يكمن السرُّ في "النَّظْم"، أي في الطريقة الخاصة التي تُرَكَّبُ بها هذه الكلمات وفقاً لنظام النحو وعلاقاته، لتُنتج دلالةً جديدة ونفسيةً مؤثرة لا توجد في الكلمات منفردة. فالكلمات مثل اللًّبِنات، وقيمة البناء لا تكمن في جودة اللبنة وحدها، بل في كيفية تركيبها لتشكل بناءً متماسكاً جميلاً. وقد جاءت هذه النظرية كحصيلة ناضجة لتطور الفكر البلاغي العربي، وكمحاولة جادّة للإجابة عن السؤال الأزلي: "ما سرُّ بلاغة القرآن؟". فأثبت الجرجاني أن سرَّ الإعجاز ليس في "الصَّرْفَة" ولا في الغرابة اللفظية، وإنما هو في هذا النسق المعجِز الذي لا يُقلَّد. وبهذا، قدَّمت "نظرية النظم" رؤيةً شموليةً متكاملة تربط بين اللفظ والمعنى والنحو والنفس الإنسانية، لتصبح نظريةً محوريةً أسست لمدرسة نقدية بلاغية متكاملة، لا تزال موضع إعجاب ودراسة إلى يومنا هذا.